خاص هيئة علماء فلسطين

         

بسم الله الرحمن الرحيم

‏”أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ ‏دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا ‏أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ ‏صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ ‏فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ ‏اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”  الحج: 39-40‏

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن ‏تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:‏

فإنّ الذكرى الحادية والسّبعين لنكبة أمتنا الإسلاميّة وشعبنا الفلسطيني تأتي هذا العام ‏لتحيي الجراح العميقة والذّكريات الأليمة وتعيدَ إلى الأذهان المجازر المروعة التي اقترفها ‏الصهاينة بحقّ الشّعب الفلسطينيّ.‏

كما تتجدّد صورة قوافل اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم لينتشروا في منافي الأرض ‏حاملين أرضهم وبلادهم في قلوبهم عنواناً لا يتيهون عنه ويورّثونه للأبناء والأحفاد من ‏بعدهم.‏

وإننا في هيئة علماء فلسطين في الخارج في الذكرى الحادية والسّبعين للنكبة نؤكد على ‏الآتي:‏

أولاً: إن فلسطين ليست أرض الفلسطينيين وحدهم ولا قضيّتهم من دون النّاس، وإنما ‏هي حقّ الأمّة كلّها وقضيّة المسلمين جميعًا كلها، بل قضيّة كلّ حرٍّ في هذه الأرض.‏  

وإنَّ إعادة قضيّة فلسطين إلى عمقها الإسلاميّ واجبُ كلّ العلماء والدّعاة والنّخب ‏السياسيّة والثّقافيّة والفكريّة والإعلاميّة.‏

ثانياً: إنَّ تجدّد ذكرى النّكبة مع هرولةٍ صادمةٍ نحو التّطبيع مع الكيان الغاصب يحتّم ‏علينا تجديد التّأكيد بأنَّ فلسطين أرض إسلامية لا يجوز لأحد مهما كانت صفته ‏ومكانه أن يتنازل عن ذرة منها أو يقرّ بادّعاء حق اليهود الصهاينة فيها.‏

كما لا يجوز شرعاً عقد أية اتفاقية مع العدو الصهيوني تقرّ أو تعترف بحقه في إقامة ‏كيانه المغتصب على أرضنا المباركة أو أيّ جزءٍ منه.‏   قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ ‏بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي ‏قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ‏أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ” المائدة: 51،52‏

وكذلك يحرمُ التّطبيع مع هذا الكيان الغاصب بأشكاله كلّها السياسيّة والاقتصاديّة ‏والثّقافيّة والرّياضيّة وغير ذلك.‏

ثالثًا: إنّ من ثوابت القضيّة الفلسطينيّة التي لا يجوز التلاعب بها حقّ اللاجئين في ‏عودتهم إلى وطنهم الذي اقتُلِعوا منه فهو حق وواجب شرعي في آن واحد معً.‏

وإنَّ التّنازل عن هذا الحقّ تنازلٌ باطلٌ مهما كانت صفة فاعله، وهو خيانةٌ لله ورسوله ‏وعامّة المؤمنين.‏

رابعًا: إن الجهاد في سبيل الله والمقاومة بأشكالها المختلفة وصورها المتعددة هي السبيل ‏والطّريق لتحرير فلسطين.‏

‏ وإن كل عملٍ صغرُ أو كبر يساهم في دفع عدوان الصّهاينة وفضح مخططاتهم وتحرير ‏فلسطين هو من الجهاد المبرور الواجب فعله ودعمه وتيسير سبيله من قبل الجهات ‏المختلفة، وهو التجارة الرابحة المنجية التي لا تبور، ‏ قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * ‏تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ ‏كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” الصف: 10،11‏

خامسًا: إنَّ حلول ذكرى النّكبة هذا العام مع تعاظم الحديث عن صفقة القرن ‏ومخططات الإدارة الأمريكيّة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة يوجب على أبناء شعبنا ‏الفلسطيني وفصائله العاملة المجاهدة أن توحّد صفّها وتجمع كلمتها وتنبذ خلافاتها ‏وتركيز جهودها على مقاومة المحتل الصهيوني ومخططات الإدارة الأمريكيّة ومن يسيرُ في ‏فلكها.‏ قال تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ” ‏الصّف: 4‏

سادساً: إن القدس _وفيها المسجد الأقصى المبارك_ هي جوهر الصراع وعنوان المرحلة ‏ومحط أنظار المخلصين، وإنَّ  محاولات التهويد والتقسيم توجب على الأمة كلّها بذل ‏غاية الوسع دفاعًا عنها وتصديًا لمحاولات تهويدها وتثبيتًا للمرابطين على ثراها.‏   قال تعالى: “إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ‏لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” ‏الإسراء: 7‏

سابعاً: إنَّ مسيرة العودة الكبرى واستمرارها منذ أكثر من عام بشكل أسبوعيّ ‏ومليونيّاتها المتعدّدة والمتجدّدة تمثّل نموذجًا فذّا في مجابهة الكيان الصّهيونيّ وتعريته ‏وفضحه وإرباكه، وقد ضرب شعبنا الفلسطينيّ أروع الأمثلة في المرابطة والمصابرة من خلالها، فيجب على ‏الأمة جمعاء دعم صمود هذه المسيرات بما يضمن استمرارها ماديا ومعنويا.‏  قال تعالى: ” مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ ‏وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي ‏سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ ‏عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” التوبة:120‏

ثامناً: نحيي في هذا اليوم شعبنا المرابط في أنحاء فلسطين كلها وشعبنا القابض على ‏حقه في منافي الأرض ومخيمات اللجوء وأبطال مسيرات العودة،

كما نحيي مجاهدينا ومقاومينا الأبطال الذين أحدثوا النكاية بالعدو ولقنوه من الدروس ‏ما لن ينساه أبداً.‏

ونحيي شهداءنا العظام الذين صنعوا مجدنا بالدم الزكي الطاهر وأسرانا البواسل وجرحانا الأبطال وحرائرنا المرابطات في ساحات الأقصى المبارك، ‏وإن تحرير فلسطين قادم لا محالة، وإن الصبح صبح النصر والتحرير والتمكين وعودة ‏اللاجئين يطلّ حثيثاً، أليس الصبح بقريب؟!‏

والحمد لله رب العالمين

هيئة علماء فلسطين في الخارج

                                                                                                   10/رمضان/1440هـ

                                                                                                       15/5/2019م