الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين؛ وبعد:
فقد أقدمت قوّات الاحتلال الصّهيوني على اقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك مصطحبةً طواقم قياس المساحات الذين قاموا بأعمال المسح والقياس في باحات المسجد الأقصى المبارك وفي صحن الصّخرة وقضوا ساعاتٍ عديدة وهم يجرون أعمال المسح والقياس، وهذا الفعل بحد ذاته عدوانٌ خطير، كما أنّه ينبئ بالتّحضير لإجراءات عدوانيّة أشدّ خطورة وفداحة.
وإنّ علماء الأمّة يتابعون عن كثب ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك وما حوله بصورة خاصة، وفي القدس والضفة من محاولات مستمرة لتهويدها من قبل دولة الاحتلال، ومؤخراً شروعهم بعمل حفريات جديدة بالقرب من حائط البراق في القدس المحتلة، ضمن مشروع استكمال تهويد ساحة البراق وجنوب غرب الأقصى، الأمر الذي كشفت عنه المصادر المقدسية، وأن سلطات الاحتلال تمنع أي مواطن من خارج البلدة القديمة بالقدس من الدخول إلى المسجد الأقصى بحجة كورونا، وتستغل الإغلاق الموجود من أجل تغيير الوقائع على الأرض في المسجد الأقصى.
جاء ذلك رغم تحذير كل من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس والخارجية الفلسطينية، من خطورة أعمال الحفر والتجريف، خاصة أسفلَ الجسر الذي يربط ساحة البراق بالأقصى، مطالبة بتدخل دولي لوقفها. وأمام هذا الوضع الخطير الذي يتعرض له المسجد الأقصى وما حوله ولِما له من أهمية عظيمة في نفوس المسلمين في العالم فإن علماء الأمّة وفي مقدّمتهم الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين يؤكّدون على ما يلي:
أولًا: المسجد الأقصى المبارك هو كلّ ما دار عليه السّور، ومساحته مئة وأربعة وأربعون ألف متر مربع، وتشمل الأسوار والجدران، ومنها حائط البراق الذي يسمّيه الصّهاينة زورًا وعدوانًا حائط المبكى،، كما تشمل ما تحت الأقصى وما فوقه؛ فكلّها جزءٌ لا يتجزّأ من المسجد الأقصى المبارك، والمسجد الأقصى المبارك حقٌّ خالص للمسلمين، وليس لأحدٍ من غير المسلمين أدنى حقّ فيه، وأيّ اعتداءٍ عليه هو اعتداء على ثالث مقدّسات المسلمين شقيقِ المسجد الحرام والمسجد النبويّ؛ قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الإسراء: 1
ثانيًا: إنّ دخول فرق المسح والقياسات تحت حراسة جنود الاحتلال الصّهيونيّ يمثّل انتهاكًا عدوانيًّا لقدسيّة المسجد الأقصى المبارك، كما أنّه يعني محاولة الصّهاينة نقل ترتيبات الإشراف الإداريّ من الأوقاف الإسلاميّة إلى الاحتلال الصّهيونيّ، وهو ما يعني السّير بتسارع في خطوات وضع اليد الصّهيونية الكاملة على المسجد الأقصى المبارك لتنفيذ ما تبقّى من مخططات عدوانيّة بحقّ مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

ثالثًا: يستنكر ويرفض علماء الأمّة الأعمال التي يقوم بها الاحتلال الصّهيوني كافّة، ويؤكدون أن ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك جريمة نكراء جديدة في سجل جرائم الاحتلال، ولا يمكن السكوت عنها، معلنين رفضهم أية محاولات لسرقة الأراضي الفلسطينية وتغيير هوية المدينة المقدسة، كما يؤكد العلماء على أن المسجد الأقصى والمدينة المقدسة هما شرف الأمة، والاعتداء عليهما بأي طريقة هو اعتداء على شرف الأمة الإسلامية بأكملها.

رابعًا: يدعو العلماء جميع قادة الدول الإسلامية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجميع العلماء والمفكرين والسياسيين إلى القيام بواجبهم كلٌّ في مكانه وحسب قدراته فتلك مسؤولية كبرى أمام الله تعالى وإلى الوقوف موقفاً حاسماً من هذه الانتهاكات والاستفزازات، وإلى العمل للحفاظ على قضيتنا الأولى وكلّ مقدساتنا وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرً} النساء: 58

خامسًا: يطالب العلماء الأمة العربية والإسلامية خاصة الدول التي لا زالت على عهدها والمنظمات الأممية والحقوقية والإنسانية بحماية الأقصى والقدس الشريف من هذه الاعتداءات الهمجية والاستفزازية المتكررة التي تعمل على تغيير هويته.

سادسًا: إنّ العدوّ الصّهيونيّ يستغلّ وباء كورونا، وتحت عنوان الإجراءات الوقائيّة من فيروس كورونا يتمّ التّضييق على المسلمين الفلسطينيين في دخول المسجد الأقصى المبارك، كما يتمّ استغلال تفريغ المسجد الأقصى بهذه الذّريعة لتنفيذ المخطّطات العدوانيّة، ومن هنا يدعو علماء الأمّة إلى أن تكون تقديرات الإجراءات المتعلّقة بوباء كورونا موكولةً إلى الأوقاف الإسلاميّة وحدها دون أيّة علاقة للكيان الصّهيوني بذلك.

سابعًا: يعلن علماء الأمّة اعتبار الأسبوع الأخير من شهر رجب من كل عام (أسبوع القدس والأقصى)، يقيم فيه العلماء الفعاليات الدينيّة والبرامج والأنشطة التي تناصر القدس والمسجد الأقصى المبارك.

ثامنًا: يدعو علماء الأمة وفي مقدّمتهم الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن تكون خطبة الجمعة غدًا انتصارًا للمسجد الأقصى المبارك وفضح المخططات الصّهيونيّة بحقّ مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلتكن منابرنا شقائق منبر الأقصى المبارك.

تاسعًا: يؤكّد العلماء على أنّ القدس والأقصى أمانة الأمّة الإسلاميّة قاطبة وبكلّ شرائحها وواجب الإنقاذ والتحرير يستدعي ويوجب تثبيت المقدسيين بالدّعم الشّامل لمشاريعهم كافّة.

عاشرًا: يحيّي العلماء أهلنا المرابطين في القدس وفلسطين، ويدعونهم إلى شدّ الرّحال لمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأنتم يا أهلنا خطّ الدّفاع الأوّل عن ثالث مقدّسات المسلمين جميعًا، فاصبروا وصابروا ورابطوا وثقوا بنصر الله تعالى القادم لا محالة.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

علـمــاء الأمـــــة
الخميس 30 جمادى الأولى 1442 هـ
14 / 1 / 2021 م


الموقعون على البيان:

الشؤون الدينية التركية
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
رابطة علماء المسلمين
رابطة علماء أهل السنة
هيئة علماء فلسطين
رابطة أئمة ودعاة العراق
رابطة أهل السنة والجماعة في العراق
هيئة علماء المسلمين في العراق
مؤسسة منبر الأقصى الدولية
هيئة علماء المسلمين في لبنان
مجمع الفقه الإسلامي بالهند
رابطة الدعاة الإندونيسيين
جمعية الاتحاد الإسلامي – لبنان
جمعية علماء ماليزيا
رابطة علماء فلسطين – غزة
التجمع الآسيوي لاتحاد العلماء المسلمين
جماعة عباد الرحمن – السنغال
رابطة إرشاد المجتمع الصومالية
جامعة دار العلوم – زاهدان
الهيئة الدائمة لنصرة القدس وفلسطين
رابطة علماء فلسطين في لبنان
ملتقى دعاة فلسطين
رابطة علماء أريتيريا
جمعية النهضة اليمنية
المجلس الإسلامي السوري
دار الإفتاء الليبية
هيئة علماء ليبيا
اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية في تركيا
المنتدى الإسلامي للتنمية والتربية في السنغال
مجمع البحوث العلمية – كابل

وقد عقّب على البيان بعض علماء الأمة، ومنهم:

تعقيب الدكتور علي أرباش رئيس الشؤون الدينية في تركيا:
إنَّ الاحتلالَ الصهيوني لم يتخلَّ عن سلوكه الهمَجي، وقد انتهكَ مرةً أخرى حرمةَ وعصمةَ المسجد الأقصى تحت قناع حرية المهندسين وبرفقة الجنود. إنهم يعملون حسب زعمهم على تقسيم المسجد الأقصى مكانياً على طريقتهم الخاصة، ويريدون طمسَ ذاكرة المسجد عن طريق تدميرِ القطع الأثرية التاريخية وقطعِ صلتها بالماضي.
وهذه المحاولات في الأساس ليست إلا محاولةً لهدم المسجد الأقصى، ولا يخفى على الجميع أن عمليات الحفر هي محاولةٌ لتنفيذِ الخطة الغادرة.
ومرةً أخرى أَستنكرُ وألعنُ بأشد العبارات كلَّ الهجمات والخطط الغادرة ضد المسجد الأقصى.
إننا نرى أن الطغاةَ يواصلون أعمالهم الشريرة مُتجاهلين الإنسانيةَ والضميرَ والأخلاق والقانون الدولي، ويستهدفون الأمن والسلام وثقافة التعايش العريقة في المنطقة.
ولذلك؛ وضدَّ حملةِ اغتصابِ أرض الأنبياء والتراث المشترك للإنسانية والمسجد الأقصى، أدعو علماء الدين من جميع المعتقدات وعلماء المسلمين لإظهار ردة الفعل اللازم. أدعو أصحاب الضمير الذين يحترمون حقوق الإنسان وكرامتَهم إلى رفع أصواتهم، وإلا فإن الصامتين أمامَ الظلم والاضطهاد سيُحكمون إلى الأبد أمامَ التاريخ وضمير البشرية.
لا ينبغي لأحدٍ أن يشكَّ في أن النضالَ من أجل الحرية للفلسطينيين الأبرياء سيسود، ولن يحقق الاحتلال أهدافَه، وسيُهزم بالتأكيد. سوف يموت الظالمون بالفوضى والكوارث التي يسبِّبونها.
ومن ناحيةٍ أخرى فإنه بات واضحاً الآن أن الذين يحتلون فلسطين والقدس والمسجد الأقصى لا يهتمّون بأي قيمٍ مثل القانون والضمير وحقوق الإنسان. والحل الوحيد في هذه المرحلة هو أن تنهض الأمة وتتَّحد أمام الظلم والاحتلال.
لذلك؛ لكلّ المسلمين في العالم: دعونا نوثّق أُخوتنا الإيمانية بوعي الأمة. دعونا نبحث معاً عن طرق التغلب على الصعوبات والتحديات. دعونا ألا نمنح فرصةً للفتنة التي تضرّ بوحدتنا وتُضعف قوتنا. دعونا نمنع الظالمين الذين يحوّلون جغرافيتنا الى أرض الدماء والدموع.
وبهذه المناسبة أودُّ أن أَذكر مرةً أخرى أن بلادَنا ورئاسةَ الشؤون الدينية وأمتنا الحبيبة تقفُ دائماً إلى جانب إخواننا الفلسطينيين الذين يحرسون المسجد الأقصى، وستظلُّ مستمرةً في تقديم كل أنواع الدعم.

تعقيب الدكتور همام سعيد:
سلام الله عليكم أيها العلماء الأجلاء، أيها المجاهدون الكرام. فأنتم قادة الأمة وسادتها ومقدموها, أنتم الذين في كل معضلة يجعلكم الله تبارك وتعالى أهلها أهل حلها وأهل الفرج فيها أن شاء الله تبارك وتعالى.
أيها الإخوة الكرام, أيها العلماء الفضلاء, إنكم اليوم تخاطبون العالم الإسلامي كله من منصتكم هذه. وهذا من باب الأمانة التي ائتمننا الله تبارك وتعالى عليها, فأنتم ألسنة الحق, وأنتم سيوف الحق بإذن الله تبارك وتعالى. نتكلم اليوم أيها الإخوة عن هجمة جديدة لهؤلاء اليهود المجرمين على المسجد الأقصى. وتعلمون كم ارتكبت من المجازر في حق هذا المسجد وأهله وفلسطين وبيت المقدس, وكم ارتكب المجرمون من أمثال الإنجليز والأمريكان وآخرهم ترامب غير المأسوف عليه, الذي اعترف بالقدس عاصمة أبدية لدولة اليهود, وخسئ وخسئ اليهود. إن فلسطين دولة إسلامية أبدية, ولا يمكن أن تكون في يوم من الأيام إلا على شكل الأمر العارض إلا أن تكون للإسلام والمسلمين.
فالنبي صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه الإمام أحمد والإمام النسائي عن سلمة بن نفيل رضي الله عنه, قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد. يعني أذال الناس الخيل, حولوا الخيل من أداة جهاد وقتال إلى أداة حراثة للأرض. أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد, وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أو هذا الرجل يتكلم عن حالنا اليوم, هذا الحال الذي أذال الناس فيه الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا قتال لا جهاد وأسرعوا إلى التطبيع, من أطراف بلاد العرب والمسلمين يسعون جاهدين لنيل رضى اليهود عليهم, فقاتلهم الله وقاتل اليهود معهم. وإننا نقول أيها الأخوة أن هذه الوعود كلها وعود تخالف وعد الله, وتخالف وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع هذا الكلام, أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا الآن الآن جاء القتال, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتحت المعارك بعد هذه الكلمة, وشاء الله تبارك وتعالى أن تفتح فلسطين, وأن تفتح بلاد الشام, وأن تفتح العراق, وأن تفتح هذه البلاد الواسعة لكلمة التوحيد ولتكون أرضاً لعبادة الله تبارك وتعالى. ونحن اليوم أيها الإخوة إن شاء الله على مشارف هذا الوعد بإذن الله تبارك وتعالى, ونقول الآن الآن جاء القتال, الآن الآن جاء القتال. إذا كان اليهود يظنون أن مهندسيهم يخططون لبناء الهيكل, خسئوا, لن يهدم المسجد الأقصى. لأن الله تبارك وتعالى بشرنا في سورة الإسراء “وليدخلوا المسجد كما دخلوه”, إذن هو دخول للمسجد وسيكون المسجد قائماً بإذن الله تبارك وتعالى.

ومن هنا أيها الإخوة فأننا نخاطب أهل فلسطين, أهل المسجد الأقصى الذين عودونا دائماً أن يواجهوا بصدورهم العارية قطعان اليهود والمستوطنين, وأن يحبطوا ويبطلوا كل مؤامرة على المسجد الأقصى. نقول حياكم الله وجزاكم الله خيراً على رباطكم وثباتكم, ونحن معكم, وأنتم في مقدمتنا, أنتم الجيش الأول في مواجهة اليهود بإذن الله تبارك وتعالى. وندعو المسلمين في كل مكان أن يمارسوا دورهم في نصرة فلسطين بالمال, بالكلمة, في الإعلام, أن نقف مع هؤلاء المرابطين في بيت المقدس لأن هذا من الفروض. فرض علينا أيها الإخوة, الجهاد فرض على كل مسلم ومسلمة بأنواعها المختلفة المقدور عليها, ولذلك نخاطب الجميع أن يجهزوا أنفسهم لهذا الفتح القادم بإذن الله تبارك وتعالى.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا بالفتح, وأن يمن علينا بتحرير المسجد الأقصى بإذن الله تبارك وتعالى, وأن يعود عقر دار الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن يعود إلى هذه الأمة المباركة. والحمد لله رب العالمين, وجزا الله اخواننا في هيئة علماء فلسطين وجزا الله هؤلاء العلماء الأجلاء, وأخص بالذكر تركيا ورجال تركيا وعلماء تركيا وقيادة تركيا. أخصهم بالذكر لما لهم من ايادٍ طيبة في هذا الميدان وهذا الشأن, وأرجو أن يلحق بهم من كان فيه خير من هذه الأمة بإذن الله تبارك وتعالى.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

تعقيب العلامة الشيخ الحسن ولد الددو:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدأ فضيلة الشيخ في تقديمه لخطاب لجماهير هذه الأمة بالتنبيه على أننا الآن لسنا في مؤتمر عادي كمؤتمراتنا التي تسمعون وتشاهدون دائماً, وإنما نحن في حالة استثنائية. حيث أن المسجد الأقصى ثالث المساجد الثلاثة المقدسة الكبرى تحت التهديد الآن, ونحن لا نريد من أمتنا أن تبقى نائمة سابرة بغفلتها ونومتها حتى تعلم أن المسجد الأقصى قد اعتدي عليه اعتداء آخر وأنه قد هدم. نسأل الله سبحانه وتعإلى الأ يسلط الصهاينة على ذلك وأن يحول بينهم وبينه.

لذلك اجتماعنا هذا اجتماع طارئ حقيقة, ومؤتمرنا أردناه أن يكون مؤتمراً صحفياً للتعبير عن إعلان النفير لهذه الأمة, وبيان أن المسجد الأقصى الذي تقدسونه جميعاً وتعتقدونه في عقيدتكم وتقرأونه في كتابكم, وتؤمنون بأنه قبلتكم الأولى ومسرى رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء تحت التهديد الآن. وتصوروا أن الرسالة التي وصلت إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي وصلت إلى كل فرد من أفراد هذه الأمة, وقد وقعت في يده رقعة يوم جمعة فيها “جاءت إليك غلامة تسعى من البيت المقدس, كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أدنس”. هذه الرقعة نريد أن تصل إلى كل فرد من أفراد أمتنا, وهي غلامة تسعى من المسجد الأقصى إلى كل فرد من أفراد الأمة أن يسمعها “جاءت إليك غلامة تسعى من البيت المقدس, كل المساجد طهرت وأنا على شرف أدنس”.

نريد لهذه الأمة وعياً شاملاً ونريد منها أن يكون غداً يوم الجمعة المبارك يوم احتجاجات في كل مكان ويوم اعتصامات ويوم وقفات, يمثلها الإخوة في عاصمة الخلافة الاخيرة, في مدينة أبي أيوب الأنصاري. ونرجو أن يكون ذلك في مسجد السلطان محمد الفاتح بوقفة بعد صلاة الجمعة, للوقوف مع المسجد الأقصى ومع المرابطين والمرابطات فيه ومشاركتهم بحمايته, نريد أن تكون هذه الوقفات في كل مكان يبلغه كلامنا. لو أن أمتنا حية, ولو أنها يحكمها من هم على عقيدتها وفكرها, لامتلئ الحرمان الشريفان ضجيجاً الآن للوقوف مع المسجد الأقصى وحمايته ونصرته, ولامتلئت المساجد كلها في أنحاء العالم مرابطة مع المرابطين في المسجد الأقصى ووقوفاً معهم. إن هذا الحدث الجديد الذي يهدد أقصانا ومقدساتنا لا بد أن نستشعره قبل أن يكون وأن نتذكر قول الشاعر:
يمثّل ذو اللب في لبه مصائبه قبل أن تنزل فإن نزلت بغتة لم ترعه لما كان في نفسه مثّل
وذو الجهل يأمن أيامه وينسى مصارع من قد خلا فإن دهمته صروف الزمان ببعض مصائبه أعول

لا بد يا أمتنا الكريمة, يا أمة خير من أرسل إلى الناس, يا خير أمة اخرجت للناس, يا أمة القرآن, يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا بد أن تدافعوا عن المسجد الأقصى وعن مقدساتكم وأن تبذلوا كل ما تستطعيون, بذلاً مخلصاً لوجه الله سبحانه وتعالى ولعقيدتكم التي آمنتم بها ولمقدساتكم التي قدستموها ولربكم الذي سجدتم له وعبدتموه. لا بد أن تقفوا الآن وقوفاً شاملاً يشمل الرجال والنساء والاطفال, يشمل الكبار والصغار, يشمل الحكام والمحكومين, يشمل الأغنياء والفقراء, يشمل الصحفيين والمعلمين وغيرهم جميعاً. لا بد أن تعلنوها نصرة للمسجد الأقصى الذي يستغيثكم الآن, ويدعوكم للوقوف معه في أزمته ومشكلته وهو يواجه حكماً بالإعدام, ويواجه سعياً لإزالته وإزالة جدرانه التي بناها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, وبناها بعده خلفاء هذه الأمة, وعمرتها هذه الأمة أربعة عشر قرناً ونصفاً, وستبقى مقدسة ثابتة في كتاب الله وفي عقيدة المسلمين, وسيأتيها المسيح بن مريم عليه السلام والمؤمنون معه في آخر الزمان. ستهاجرون إليه من كل أنحاء العالم من المغرب ومن إندونيسيا ومن أوروبا ومن إفريقيا, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم انها ستكون هجرة بعد هجرة, ويوشك أن يكون خير مهاجركم مهاجر أبيكم ابراهيم. هذه هي كلمتنا التي أردنا أن تبلغها وهذا صوتنا باختصار.

وبعد ذلك أقول أن كثيراً من الناس يتحدثون عن المعايشة السلمية والعيش المشترك في فلسطين, وهم بذلك يشرعون للصهاينة ما يريدون ويظنون أن الحل هو قيام الدولتين. من أين جاء هؤلاء الصهاينة؟ إنهم أشتات من جنسيات مختلفة, قد تجمعوا في أرضنا ليس لهم بها ناقة ولا جمل ولا ميراث ولا أصل ولا فرع. فليرجعوا إلى ديارهم وليصحبوا معهم كل ما جاؤوا به, نحن لا نريد عمارتهم ولا نريد آثارهم ولا نريد لغتهم ولا نريد أي شيء منهم. ليخرجوا عن أرضنا وليرجعوا إلى بلادهم التي ما زالوا يحملون جنسياتها, حتى رؤساء وزرائهم ووزرائهم ونوابهم ما زالوا يحملوا الجنسيات والجوازات لدولهم الاصلية. فليرجعوا إلى دولهم وهنالك نسالمهم ويسالموننا, لا مانع لدينا من ذلك بعد أن يرجعوا إلى ديارهم. أما اليوم وهم يحتلون مقدساتنا وأرضنا فلا تعايش معهم, لا حدود لفلسطين مع أي دولة من دولهم الاصلية. حدود فلسطين واضحة إنما يكتنفها الشام المبارك الذي تظلله أجنحة الملائكة, ومصر أرض الكنانة وأرض الفتح التي جاء منها صلاح الدين, وبعد ذلك تركيا التي هي أرض الخلافة الأخيرة ومكان الفتح والنصرة. فهذه هي الأرض التي تكتنف فلسطين, وهي الأرض التي حولها. وبعد ذلك العراق والحرمان الشريفان وهذه الجزيرة العربية المباركة, هذه هي التي يتحدث فيها عن الجوار للمسجد الأقصى وعن فلسطين. وقد صح في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الجار أحق بسقبه”.

فلا بد يا إخواني أن تكون خطبة الحرمين الشريفين غدا مخصصة لحماية المسجد الأقصى, ولا بد أن تكون الخطب في أنحاء العالم على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مكان لحماية المسجد الأقصى والوقوف مع المرابطين والمربطات فيه. لا بد أن تتذكر أمتنا جميعاً أن المسؤولية جسيمة, وأنها على كل فرد من الأفراد, وأن كل من قصر فيها فهو خائن, وهو حاكم على نفسه بالانسلاخ من عقيدته والانسلاخ من انتمائه لهذه الأمة الشريفة العظيمة. لا بد أن نتذكر في كل مكان أن القدس أمانة في أعناقنا, وأن حماية المسجد الأقصى واجب شرعي علينا, وأن على كل فرد منا أن يبذل في ذلك ما يستطيعه من وقته وجهده وماله وكلمته وكل ما يملك. لا بد أن يتذكر إخواننا في البلدان الأوروبية وأمريكا وغيرها من البلدان التي يجدون فيها بعض الانفراج وبعض السعة, أن يبذلوا جهودهم القانونية والدبلوماسية والسياسية والنقابية للضغط من أجل تحرير المسجد الأقصى, ومن أجل حمايته ومن أجل مساعدة المرابطين والمرابطات فيه.

أنني لاستحيي أن اتكلم بين يدي شيخنا وإمامنا المرابط أمين المنبر شيخنا عكرمة صبري, وهو الذي يمثلنا حقيقة, فهو يمثل المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى. ونحن إنما نحن في الخوالف وفي الصفوف الخلفية من ورائه, فلذلك نصلي خلفه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليأتم به. فلا أريد أن استبق كلمته بكلمة مكررة معلولة تسمعونها في كل المناسبات, ولكن إنما هي الحرقة لهذا الواقع المرير, ولهذه الظرفية الجديدة ولهذه الظروف الاستثنائية التي اقتضت منا أن نسمعكم كلمتنا, وأن نسمعكم كلمة الحق, ليست الكلمة لنا وليست لمقامنا وإنما هي كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة الحق. لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا اليوم لكان دعا الأمة كلها أن تتحرك, ودعا الجيوش كلها أن تتجهز للمنازلة لتحرير المسجد الأقصى. وإن كل المشاهدين والمشاهدات يعلمون أن هذا هو الحق, وأنه لا يكابر فيه إلا منكر مكابر. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يطهر المسجد الأقصى ويحرره, وأن يجعلنا من الساعين لذلك الباذلين فيه. وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه اجمعين.
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته