إنّ هذا اليوم هو اليوم الّذي تهتزّ فيه قباب آيا صوفيا بالتّكبير والتّهليل والصّلوات، وترتفع من مآذنه أصوات الأذان والذّكر. وإنّ لهفة أحفاد الفاتح واشتياقهم وصمت دار العبادة الجليل هذا قد انتهى. فمسجد آيا صوفيا الشّريف يجتمع اليوم من جديدٍ بجموع المؤمنين والموحّدين.

إنّ عظيم الحمد والشّكر لربّنا عزّ وجلّ الّذي جعلنا نلتقي ونجتمع في مثل هذا اليوم التّاريخيّ الفضيل. والصّلاة والسّلام على رسولنا الأكرم صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي بشّر بالفتح بقوله، “لتفتحن القسطنطينية؛ فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”.

والسّلام على الصّحابة الكرام الّذين خرجوا في سبيل اللّه طالبين نيل هذه البشارة وفي مقدّمتهم أبو أيّوب الأنصاريّ رضي اللّه عنه الّذي يعتبر الباني المعنويّ لإسطنبول، وعلى من اقتفى أثرهم وعلى كلّ شهدائنا ومحاربينا ممّن جعلوا من الأناضول وطناً لنا وحماها واستأمننا عليها.

والسّلام على ذلك الأمير الشّابّ الفطن والسّلطان الفاتح محمّد خان الّذي صنع أكثر تكنولوجيا عصره تطوّراً، والّذي أجرى سفنه على اليابسة، والّذي تمكّن بفضل اللّه عزّ وجلّ وعنايته من فتح اسطنبول، والّذي لم يسمح بعدها بأن يصيب الضّرر ويلحق ولو بحجرٍ واحدٍ من أحجار هذه المدينة العزيزة.

إنّ آيا صوفيا هي بشارةٌ ورديّةٌ جاءت من قبل قرونٍ عديدةٍ. وإنّ آيا صوفيا هي علامة الفتح وشعاره وهي أمانة الفاتح الّذي جعل منها وقفاً بصفتها مسجداً إلى يوم القيامة. فسلامٌ على كبار دولتنا ورجالات العلم والفكر منّا وقادتنا في المعرفة والإحسان ولكلّ إخوتنا ممّن بذلوا الجهود بتفانٍ ومثابرةٍ من الماضي وحتّى يومنا هذا من أجل أن تجتمع هذه الأمانة البديعة وتلتقي بجموع المصلّين.

أيّها المؤمنون الأعزّاء!

إنّ إعادة فتح آيا صوفيا للعبادة هو نيل المكان المقدّس ظلّ يحتضن المؤمنين بصفته مسجداً لخمسة قرونٍ من الزّمن واكتسابه لصفته الأصليّة.

إنّ إعادة فتح آيا صوفيا أمام العبادة من جديدٍ هو بمثابة تعلّقٍ لجميع مساجد هذه الأرض الحزينة والمظلومة وفي مقدّمتها المسجد الأقصى المبارك وتشبّثٌ لها بالأمل.

وإنّ فتح آيا صوفيا أمام العبادة هو بمثابة استمرارٍ لحضارتنا الّتي أساسها التّوحيد ولبناتها العلم وملاطها الفضل، في الرّقيّ والسّموّ.

أيّها المسلمون الأفاضل!

إنّ حضارتنا هي حضارةٌ تتمحور حول المسجد. وإنّ مساجدنا هي منبعٌ لوحدتنا ورفاهنا ومنبعٌ لعلمنا ومعرفتنا. وإنّ ربّنا عزّ وجلّ يقول في حقّ من يعمرون المساجد والجوامع: “انّما يعمر مساجد اللّٰه من اٰمن باللّٰه واليوم الاٰخر واقام الصّلٰوة واٰتى الزّكٰوة ولم يخش الّا اللّٰه فعسٰٓى او۬لٰٓئك ان يكونوا من المهتد۪ين”.

وإنّ رسولنا صلّى اللّه عليه وسلّم يبشّر بالجنّة من يبذلون الجهود من أجل أن يقام ويبنى مسجدٌ وأن تحمى وتصان كينونته بقوله: “من بنى مسجدًا لله بنى الله له في الجنة مثله”.

أيّها المسلمون الأعزّاء!

إنّ ما يقع على عاتقنا الآن، هو أن نحيي مساجدنا باستشعار الوحدة والأخوّة. وأن نجعل من مساجدنا مركزاً لحياتنا. وأن نكون جميعاً نساءً ورجالاً وأطفالاً وشباباً وشيوخاً في مساجدنا وأن نحيا حياتنا مع مساجدنا. وكذلك، أن نعمل بإيمانٍ وعزيمةٍ وإصرارٍ وحماسٍ وتضحيةٍ أكبر من أجل أن نحافظ على المعاني العليّة الّتي يعبّر عنها مسجد آيا صوفيا الشّريف.