المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة

         

أ.د. صالح حسين الرقب

إنَّ قضية فلسطين قضية إسلامية قبل أن تكون قضية عربية، أو فلسطينية وطنية محلية. واليوم يكشف قادة العدو اليهودي عن مخططاتهم الدينية النهائية لدولتهم، في تهويد القدس والمسجد الأقصى ضمن مشروع يهودية الدولة. والمسجد الأقصى المبارك يمرُّ في أخطر اللحظات خلال هذه الأيام من تاريخه, فالاستكبار الصهيوني قد بلغ أوجه، فالقتل، والتشريد, وهدم المنازل, والحصار الاقتصادي الرهيب، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وبأعداد تتزايد يومًا بعد يوم عبر التقسيم الزماني المفروض عليه من الصهاينة، وقد بيَّت الخطر الصهيونيٌّ أمرَه, وحدَّدَ هدفه, وأحكم خطته لهدم الأقصى المبارك, وبناء الهيكل على أنقاضه, ولم يجد من أمة الإسلام على امتدادها واتساعها من يصده ويرده.

    إنَّ الدفاع عن المسجد الأقصى وتحريره والتضحية من أجله فرض وواجب على الأمة المسلمة بشعوبها وأفرادها وعلمائها واجب شرعي، لإنقاذ المسجد الأقصى وفلسطين من كيد ومكر يهود، لا يجوز التراجع عنه، ولا يكتمل إيمان مسلم إلا بحبِّه والشوقِ إلى زيارته والذود عنه، ولو بإرسال ثمن الزيت الذي تضاء به قناديله، كما جاء في حديث سيدتنا ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: “قلت: “يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ”، فَقَالَ: “أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ”، قلت: “أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ”، قَالَ: “فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ.”

    – بداية الواجب على الأمة الإسلامية تحرير فلسطين ومسجدهم الأقصى، فقد قال الله ‏تعالى :(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال:60. وقال النّبيّ ـصَلَى اللّه عليه ‏وسَلّم: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ، وَأَيْدِيكُمْ» رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.‏ فلاشك أن واجب المسلمين هو تحرير الأقصى الأسير، وكل شبر محتل من أرض المسلمين وإعادته إلى ‏مجده الإسلامي وإلى المسلمين لإعلاء كلمة الله فيها، ويتحمَّل كلُّ مسلم من التبعة والمسؤولية بحسب قدرته وموقعه. وكلٌ من الشعوب والعلماء يتحمَّلُ ما يستطيع من الوسائل والسبل التي تؤدي إلى امتثال هذا الواجب العظيم، على كافة الأصعدة والمستويات سياسيا، وإعلاميا وعسكريا…

   – ويجب على علماء الأمة ودعاتها العمل الجاد على توحد المسلمين شعوبًا وحكومات، لتحقيق هذا الواجب الشرعي، ولا عذر لأحد إذا فرَّط غيره في هذا الواجب الشرعي سواءٌ على ‏مستوى الحكومات، والأفراد والجماعات والعلماء. والاستفادة من طاقات أبناء المسلمين وحماسهم، وتوظيف ما يمتلكونه من مقدرات لصالح القدس والمسجد الأقصى. ومن الواجب ‏على العلماء فضح مخططات العدو اليهودي في تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، وفضح جرائم اليهود ومجازرهم ضد الشعب الفلسطيني، وتعريف الرأي العالمي بأحقية المسلمين في القدس.‏  والواجب العلماء دعوة المسلمين اليوم أن يهبوا لإنقاذ مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, والذود عن المسجد الأقصى، وهم يرون ما يفعله اليهود في المسجد الأقصى, والدفاع عنه بكافة الوسائل, بعد أن دنسه المحتلون؛ وهذا واجب عقدي وديني, لأن الأقصى جزء من ديننا, جزء من عقيدتنا, جزء من آيات القرآن الكريم.

 – ويجب على علماء الأمة على العلماء اتخاذ مواقف جادة وصريحة لا تقبل اللبس ولا التأويل ممن يعترف بشرعية الكيان الصهيوني الغاصب، وإصدار الفتاوى في بيان الحكم الشرعي فيمن يطبع مع العدو الصهيوني أو يتعاون معه أمنيًا أو ثقافيًاـ وممن يلمح أو يصرح بإمكانية التنازل عن جزء من الأرض في مقابل إنشاء الدولة المزعومة .فإنَّ معاونة ومساعدة العدو الصهيوني أمنياً وسياسيًا وثقافيًا سواء كان بما  يسمى بالتطبيع الذي أقدمت عليه عدة دول عربية، أم بالتعاون الأمني الذي تقوم به السلطة الفلسطينية كما هو واقع اليوم هو كفر وفسق وضلال كبير: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) الممتحنة:12. فإنَّ الإسلام لا يقبل أن يقف المسلم في خندق واحد مع العدو الصهيوني المحتل لأرض فلسطين المسلمة والقدس والمسجد الأقصى، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) النساء:144، وقال تعالى: (ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه مَا اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون) المائدة:81.

– يجب على رجال الإعلام وكذلك رب الأسرة المسلمة نشر الوعي بمكانة القدس والمسجد الأقصى ومخططات يهود، بحيث يعلم الجميع حقيقة هذه القضية، وأنها ليست خاصة بالشعب الفلسطيني، وإنما هي قضية دينية إسلامية تتعلق بديننا وكتاب ربنا؛ ولذلك إذا كان اليهود يُعَلِّمون أطفالهم بعض الأناشيد التي منها: “شُلَّت يميني إن نسيتُكِ يا أورشليم”، فنحن أَولَى منهم أن نعلِّم أولادنا ونساءنا وسائر أفراد أمتنا أن القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صلَّى بالأنبياء عليهم السلام جميعًا إمامًا، وأنَّ هذا إيذانًا ببيعته صلى الله عليه وسلم هو وأمته لكي يحملوا لواء الوحي الإلهي للبشرية إلى يوم القيامة.

– يجب على كل مسلم أن يحملَ عب‏َء قضية فلسطين لأنها قضية كل مسلم، وذلك عبر الحديث عنها، في وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا كان أطفال اليهود يقول بعضهم لبعض: (إلى اللقاء في القدس(!. فمن باب أولى كل مسلم عليه أن يقول إلى اللقاء قريبا في المسجد الأقصى محررًا من رجس اليهود.

يجب على كل مسلم تأييد حركات المقاومة في الأرض المباركة أرض فلسطين، ودعمها بكل أشكال الدعم سواء كان دعم مادياً أو معنوياً، وكذلك تعريف الناس بدور هذه الحركات المجاهدة في حماية المسلمين ومقدساتهم في الأرض المباركة وأنهم مرابطون على الثغور .

ـ- يجب على كل مسلم أن يكون لديه يقين كبير بأنَّ وعد الله تعالى قادم وقريب جدًا، وأن يبثَّ روحَ الأملِ والتفاؤلِ بهذا الوعد، لأنَّ الأمَّة الإسلامية لا تزال تلفظهم وترفض التعاون معهم على المستوى الشعبي. فليساهم كلُّ مسلمٍ في نشر هذه الروح وليعمل على استمرارها.

يجب على كل مسلم لديه قدرة مالية أن يبذل المال للنفقة على حراسه المرابطين فيه الباذلين أنفسهم في سبيل الله لأجله، والإعالة لأسر هؤلاء المرابطين، والدعاية والإعلام التي تجمع الناس حوله.
– يجب على كل مسلم من أهلنا في القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 48م  الرباط إذا كان بمكنه أنْ يرابط فيه، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم” أنّ كلّ ميّتٍ يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله.

–  كما يجبُ على كل فرد مسلم على الأقل من كان عاجزًا عن فعل أو دور ممَّا ذكرت آنفًا أن يقوم ببذل الدعاء لله تعالى أن يهيئ لفلسطين من يحرِّرها، وأن يبطل الله كيد يهود ويطهرَ فلسطين منهم، والدعاء سلاح المؤمن، وليكثر من هذا الدعوات بعد الصلوات الخمسة وصلاة القيام بالليل والناس نيام.

    وبعد، بهذا الذي ذكرته لا يجوز لمسلم أن يتلكأ في نصرة قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وإذا قام كلُّ بدوره فقد أعذر إلى ربه تعالى بعض العذر في واجبه نحو الأقصى، وبغير ذلك لا تتبرأ له ذمَّة، ولا يقبل له عذر، ولا تقال له عثرة. 

– ويجب شرعًا على حكام وزعماء الأمة أن يكون لديهم حرصٌ شديدُ في القيام بدورهم تجاه القدس والمسجد الأقصى، وهذا الدور والواجب المقدس قائم على حمل أمانة الدفاع عنها، والسماح للشعوب المسلمة وعلمائها وكتابها وأفرادها أن يقوم كل بدوره في نصرة قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، واعلموا أيها الحكام أن القدس ومقاومة العدو الصهيوني ومشاريعه التهويدية للقدس والأقصى هي أمانة في رقابكم، ومنها تكتسبون المرجعية الشرعية لأي منكم. فلا تكونوا عقبة أمام شعوبكم في القيام عن دورهم تجاه فلسطين، سواء ماليا أو إعلاميا، أو بالمسيرات الجماهيرية التي تعبر عن شعورهم الإسلامي تجاه قضيتهم المسلمة، ومن منعهم أو حال بينهم وبين القيام بواجبهم فهو آثم شرعًا ويعدُّ خائنًا لشعبه قبل أن يكون خائناً لفلسطين، ولا تعريف له سوى الشريك في المخطط الصهيوني الاجرامي تجاه القدس والأقصى، وسيلعنه التاريخ وستلعنه الأجيال المسلمة. واحتجاج بعض الحكام العرب بالاتفاقيات الموقعة مع يهود؛ أمر غير صحيح، وليس مقبولاً شرعًا، بل هو خنوع وخضوع غير مبرر، فالوقائع التاريخية المعاصرة والقريبة جداً، قد أثبتت أن خيار المقاومة الحقيقية والفعالة والصادقة هو من يستطيع المحافظة على حقوق الفلسطينيين واستعادة أرضهم وحريتهم وأمنهم، وهو من يحفظ كرامة الأمة العربية والإسلامية. ولا عذر لكم عند الله إن خلص اليهود أعداء الله إلى المسجد الأقصى وفرضوا عليه سيطرته، وهوَّدوه كما يخططون.

– أن السكوت على جرائم العدو ضد القدس والمسجد الأقصى المبارك يُعدُّ وصمةَ عارٍ على جبين زعماء العرب الذين تخلوا عن مقاومتهم ومقدساتهم وكرامتهم وتوجهوا نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب قضية فلسطين.