المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة

         


عبد الله المعيدي
القرآن هو كلام الله الذي لا يشبهه كلام، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، تكفَّل الله بحفظهِ فلا يتطرق إليه نقص ولا زيادةٍ، مكتوب في اللوح المحفوظ وفي المصاحف ومحفوظ في الصدور، متلو بالألسن، ميسر للتعلم والتدبر، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. إنه المعجزة الخالدة والحجة الباقية في زمن تحزب الأمم على المسلمين وزمن تلاطم الأفكار وتغير المفاهيم وزمن مواجهة الشهوات والتشويه والشبهات.
وهذه وقفة نقفُ مع آيات من القرآن.. آيات وردت في موضوع تكرر الحديث عنه في القرآن كثيراً.. إنه الحديث عن اليهودِ.. فماذا قال الله عنهم في القرآن الكريم؟ وكيف ذكر تاريخهم؟ ونتذكر ونُذكِّرُ بكلامِ الله عن اليهودِ ونحن نرى فِعلَهم هذه الأيام مع إخواننا في غزة.. ولن نستطيع فهم اليهود إلا بما قالَ اللهُ عنهم ووصفهم في القرآنِ، وما ضَعُفنا وذَلَلْنا ورَخُصَت دِماؤنا بهذا الشكل إلا حينَ تركنا القرآن وتعاليم القرآن في صراعنا مع يهود وغيرهم، واستبدلنا بها قوانينَ دولية وأحكامًا سياسية وشرائعَ ونظمًا لا تُحَرّرُ أرضًا ولم تحفظْ حقًا ولا تحقن دمًا ولم تُحَقِق كرامة.. إنها صفاتُ اليهودِ التي نتعرَّف إليها ونُعرِّف بها ونطبقُها على ما نراه من أفعال يهود.. فليس تحليلاً سياسيًا أو رأيًا فكريًا، لكنه كلام رب العالمين عن يهود الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، وتصرفاتهم مع رسول الله والإسلام أثبته التاريخ ولا زال يثبته الواقع عبر تعاملهم مع إخواننا في فلسطين… بين يهود الأمس ويهود اليوم..
إن اليهود الذين نراهم اليوم هم اليهود الذين غَضِبَ عليهم ربُّنا ولعنهم من فوقِ سبعِ سمواتٍ، لم يختلفوا عن أجدادِهِم، بل إنهم حاربوا الإسلامَ اليوم بوسائلَ أشدّ مكرًا وأعظمَ، وما عملهم في الأقصى وجنين وغزة وسائرِ فلسطين عنكم ببعيد، وحين تردُ الآياتُ في القرآنِ تترى متحدثةً عن حال اليهودِ فإنما ليحذر الله منهم، ولذلك كان تاريخُهُم مع الإسلام وعبر التاريخ ظلامٌ في ظلام، وأيديهم القذرة ملأى بالإجرامِ، فلقد بدأت عداوةُ اليهودِ للدين منذ سطع نورهُ وأشرقت شمسه، فشرق به اليهود وأعلنوا عداوتهم له منذ أن والوه حقدًا، نَزَعَ الله النبوة مِنهم لما كانوا لها غير أهل، وجعلها لمحمدٍ، {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}.. عداوة دائمة وقائمة؟!!
عداوةُ اليهودِ لهذا الدين ولأُمَتهِ ونبيِّه عبر القرون، رُوي في السير أنَّ النبي لما قدمِ إلى المدينة وجدَ فيها ثلاثَ قبائلَ من اليهودِ، فعقدَ معهم أن لا يخونوا ولا يؤُذوا، لكنَّ طبعهَم اللئيم وسجيتهم أبت إلا أن ينقضوا ويغدروا، فأظهر بنو قينقاع الغدر بعد أن نصَر الله نبيَّه في بدر، فأجلاهم عليه الصلاة والسلام، وأظهر بنو النضير الغدرَ بعد غزوة أحد، فحاصرهم عليه الصلاة والسلام وقذف اللهُ في قلوبهم الرعب، وبنو قريظة نقضوا العهد في أشد أزمة مرت بها المدينة يوم الأحزاب، فقبل فيهم رسول الله حكم سعد بن معاذ بقتل مقاتليهم وسبي نسائهم وقسم أموالِهم. ومن غدرهم بخاتم الأنبياء حين فتح خيبر أن أهدت له امرأةٌ يهوديةٌ شاةً مسمومةً، فأكلَ منها فأثرت عليه حين وفاته، فكان يقولُ: “ما زلتُ أجدُ من الأكلةِ التي أكلتُ من الشاةِ يومَ خيبر وهذا أوانُ انقطاعُ أبهري”. ولبيد بن الأعصم اليهودي هو الذي سحر النبي، فصرف الله أذى السحر عن جسد رسول الله بسرِّ الدعاء والالتجاء إليه، وأنزل عليه سورتي المعوذتين حفظًا له وللمسلمين من بعده. فاليهودُ تعلموا أصول السحر باتباع ما تتلو الشياطين ومن ملكي بابل هاروت وماروت.. صفات اليهود المتلونة..ومكائدهم المستمرة..
إنها خلالُ اليهودِ، يسفهُون إذا أمنُوا، ويَقْتلُون إذا قَدِرُوا، ويذكِّرون الناسَ بالمثل العليا وبالحقوق إذا وجلوا لفائدتهم وحدهم، وأما العهود والمواثيق فهي آخر شيءٍ يقفون عنده، {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}. بالغوا في وصف ما وقع لهم من مذابح في أواسط القرن الماضي إن صحت، فجعلوا العالم يكفِّر عن ذلك حتى اليوم، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}..


عباد الله:
واستمرت مكائدُ اليهودِ بعد وفاته فقتلوا عثمان.. وكادوا لهذا الدين ورجاله.. بل أنّ دولة الخلافة الإسلامية العثمانية كان سقوطها على يد اليهود يوم نخر يهود الدونمة في عقر الخلافة العثمانية وتسلَّطوا وهم يتظاهرون بالإسلام، فنقموا على السلطان عبد الحميد حين رفض تسليم فلسطين لليهود، فتم خلع السلطان بعد ذلك بمكائد اليهود وضعف المسلمين، وغيروا صبغة تركيا الإسلامية إلى صبغة علمانية بعد سقوط الخلافة.. بل حتى العالم بأسره لم يسلم من خبثهم فقد ودمّروا العالم بأخلاقياتهم التي نشروها من عري وشذوذ وسينما وفضائح دعمها اليهود إضافةً إلى بناءِ اقتصاد العالم على الربا فدمّروه، وحروب عالمية كبرى سعوا فيها، ومنظمات للتجسس فرقوا من خلالها..

إننا حينما نتحدث عن مواصفات اليهود في القرآن إنما نريد أمور من أهمها:
1- أن نحذَر من الوقوعِ في تلك الصفاتِ الممقوتة، حتى لا يحصل لنا ما حصل لهم من الغضب والذُلِّ والمهانةِ والطردِ والإبعادِ من رحمةِ الله ولقد أمرنا الله تعالى بالحذر والابتعاد عن صفات أهل الكتاب بشكل عام، واليهودِ بشكل خاص، كما أمرنا بمخالفتِهِم في أشياءَ كثيرةٍ، ومما يدلُّ على ذلك أمرُه تعالى لنا بأن ندعوه في كل ركعةٍ من صلاتنا بأن يبعدنا عن طريقهم ومن سار على نهجهم، بأن نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، ثم نقول بعد ذلك: آمين، نرفع بها أصواتنا، معلنين البراءة من اليهود المغضوب عليهم ومن النصارى الضالين.

وقد حذرنا القرآن فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، كما حذرنا الله من قسوة القلب التي يتصف بها أهل الكتاب ومنهم اليهود، فقال سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}. ونهانا عن التفرقِ والاختلاف الذي حل بهم، فقال جل وعلا: {ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

2- أن نعرفَ واقعَ أولئك القوم، فلا نُصدِّقهم ولا نُهادنهم إلا بشروطٍ عادلة، وحتى نُطبق ما قررَّه ربنا جلَّ وعلا عن يهود القرآن على صراعنا معهم وحربهم على إخواننا في غزة ..

3- نُحَذِرُ من صفاتِ يهود ونحن نَرى الخلافَ والتشرذمَ ينخرُ بأمتِنا اليوم حتى على أعلى المستويات التي لم تستطع الاتفاق على رأيٍ واحد وقطعٍ للعلاقات وطردٍ للسفراءِ والاتفاق على مكان وعقد اجتماع قمميّ بالرغم من هذا المصاب الأليم لأهلنا في أرض غزة، وهذا وضعٌ أليمٌ والله؟!!

النساء والأطفال يستغيثون في القنوات من داخل البيوت، وينادون من ينقذهم من بطش الصهاينة، وبعضهم كأن المشكلة لا تعنيه ولا حول ولا قوة إلا بالله، يعيبون على الفلسطينيين الخلاف فيما بينهم ونحن نرى جذور الخلاف المدعومة من الصليبيين والصهاينة على أشدها فيما بين الدول العربية، فإلى الله المشتكى من واقعٍ مهينٍ وألمٍ دفينٍ ورخصٍ للدماء وتداعٍ للأمم علينا وجبنٍ وخورٍ آلت إليه أمتنا..

تكرَّرَ الحديث وغَزُرَ الدمعُ تتحدر مما نراه من عظم الصور وتكرر الاستنجاد، نساءُ غزةٍ تكحلن بالأسى، والأطفالُ ملؤوا الأكفان، والاستغاثات من هنا وهناك تنادي وتصرخ ولا مجيب..

إخواننا صامدون بالرغم من قلة الإمكانيات!! وعظم التضحيات!! وكثرة التخاذلات التي يرونها!! فحسبنا الله ونعم الوكيل؟! وإلى الله نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس ودماءنا التي تراق وتلك الصرخات التي تشكو إلى الله من ظلم الغاصبين وجفاء الأقربين وتآمر وخذلان المنافقين، وليس لهم من ذنبٍ إلا أنهم مسلمون.

أَذنْبك الاسمُ أمْ إسلامـك الذنبُ *** أم أنَّ أسلافك الفاروقُ والصَحْبُ
أم ذنب قلبك أن القدس مَحفورٌ *** هواهُ في القلبِ والأقصى هو اللبُّ
عفوًا غزة فحربنا صوتٌ *** وسلاحنا خطبة عصماءُ أو شجبُ

صور من العزة:

إن مما أثار الإعجاب في نفوسنا والأمل في قلوبنا ذلك الصبر والجلد والثبات الذي رأيناه في أهل غزة، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، شبابا وشيبا، على الرغم من تعدد النكبات والويلات وجَور الأعداء وخيانة الأدعياء وشدة الحصار، إلا أنّ ذلك كله لم يكن ليزعزع الإيمان في قلوبهم ولا الأمل في نفوسهم، يقولون: نجوع ولا نركع، ونتألم ولا نخضع، قلوبهم متعلّقة بالله، ونفوسهم واثقة بنصر الله..

ولهذا علينا ـ عباد الله ـ أن نعلم أن كل من يعيش داخل فلسطين هو مرابط من المرابطين، التلميذ في مدرسته، والأم في بيتها، والمزارع في حقله، كل هؤلاء الذين تنغرس جذورهم في هذه الأرض هم الأزمة الحقيقة لليهود داخل فلسطين، ومجرد بقائهم وصبرهم ومصابرتهم جهاد ورباط ينبغي أن يُعانوا عليه، وذلك بتيسير وسائل العيش الكريمة والحياة المستقرة..

إخواننا في فلسطين ضربوا أروع الأمثلة في صمودهم وثباتهم وتشبثهم بحقّهم والتصاقهم بأرضهم، ومواجهتهم لعدوهم الغاشم، وهم مضرب مثل للأمة المسلمة في هذه المعاني، وساحتهم واضحة، فهم في جهاد شرعي صحيح مع عدوّ غاصب معتدٍ منتهكٍ للحرمات ومدنسٍ للمقدسات، وجهادهم ومقاومتهم مشروعة بالشرائع السماوية والقوانين الأرضية..

العاقبة للمتقين:

في صراعنا مع اليهود وغيرهم من المهم أن لا يحدث لدينا انكسار داخلي بسبب ما نراه من قتل ودمار في صفوفنا، فنحن وإن كنا نألم فهم كذلك يألمون، {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}..

فنحن أسمى منهم، فالله مولانا ولا مولى لهم، ونرجو من الله ما لا يرجون؛ فنرجو رضا الله والجنة، وهم يرجون رضا شهواتهم وشياطينهم، {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ويقول سبحانه: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}..

فواصلوا ـ أثابكم الله ـ دعمكم، فمن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن أعان مسلما أعانه الله، ومن نصر مسلما نصره الله، ومن آوى مسلما آواه الله، ومن ستر مسلما ستره الله، ومن خلف مجاهدا ومرابطا في أهله بخير فقد شاركه الأجر. واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن لصدقاتكم ونفقاتكم أثرا وخيرا وبركة وقبولا هي سر الأمن والأمان وباب لرضا الكريم المنان، {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}..

نقلاً عن موقع المسلم