د. حافظ الكرمي

رئيس قسم الإعلام في هيئة علماء فلسطين

تنقل لنا وسائل الإعلام المختلفة قصص الفداء والدم الذي يعبق في أرض الإسراء والمعراج يشكو إلى الله ظلم العدو وتقاعس القريب وتآمر البعيد.

فعلى أرض بيت المقدس الطهور _في القدس والضفة وغزة_ تغرد طيور الدوح، فدماء الشهداء الأبرار التحفت تراب فلسطين الغالي، وانسابت كالجداول، وانطلقت قهقهات الجلاد تستخف بالدم المسفوح، والنار شبت في بيت المقدس، وتقدم حماته مستميتين في الدفاع عن أجمل وأطهر زهرة من زهرات المدائن، فقد أعلنها الشعب المرابط في فلسطين صريحة مدوية: فلتبقَ الرماح مشرعة، والسيوف بارقة، والدماء مهراقة حتى ينتصر الحق ويزهق الباطل، فها نحن نرى كيف استحر القتل بعشاق الحور، ومضت القافلة تضم إليها كل يوم فارساً جديداً ولا يجدون من الأشقّاء إلاّ الصراخ والعويل.

إننا -ونحن نتابع ما يدور في الأرض المقدسة فلسطين- تذرف دموعنا وتختلج صدورنا وترتجف أطرافنا، ولا نستطيع إلا أن نتلوى خجلاً من أنفسنا وأمتنا التي لا تستطيع أن تكسر القيد وتفك الحبل من حول عنقها فاتحةً الباب … إذ على أبواب بيت المقدس تصطف الجياد، وقد أحكم الفرسان القياد، أما المحتلون فلا يهدؤون في ليل أو نهار، فقلوبهم مرعوبة، ونفوسهم مفزوعة، وأفئدتهم هواء، كيف لا وهم يرون الأبرار قد ركبوا صهوات خيولهم واعتمروا خوذهم وأيديهم على الزناد؟!

إن رفع اللواء من قِبل كل واحد منا ليس مِنّة يمنها على أحد، بل هو واجب يتشرف به حامله، فلقد رفع شباب القدس والضفة وغزة اللواء …. اللواء الذي لا ينحني أبدَ الآبدين… اللواء الخالد لواء الحق المبين … كُتب عليه بأحرف من نور ونار … هذا لواء سيد المرسلين … ارتفع اللواء لا ينحني، والتحمت الصفوف وتنادى جند الحق أن هلموا إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين … فكن مع الركب مجاهداً بمالك وبنفسك، بقلمك وبلسانك، وذلك أضعف الإيمان، ارفع يديكَ إلى السماء داعياً رب الأرض والسماء لإخوانك، شاركهم انتفاضتهم بالانتفاض على عادات السوء، فقاطع بضائع الذين تخوض خيولهم ودباباتهم في دمائنا، اغرس في بنيك حبّ القدس، وفتية القدس، وتراب القدس، ومساجد القدس، دافع بلسانك لإجلاء حقيقة الظلم الواقع على أهلك وإخوانك لمن تخالط من جيران السكن وزملاء العمل ….

إن هذا الغرب الذي تعالت عقيرته بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان حتى جعلها إلهاً من دون الله – والعياذ بالله – لا يرى إلا بعين واحدة فهو متواطئ، متآمر … فهذه أمريكا تقتل إخواننا وأهلنا وأبناءنا في فلسطين بسكوتها ودعمها السياسي والمالي والعسكري لهذا العدوان، تقتل بأيدٍ صهيونية وغطاء غربي وتخاذل عربي.

ومع كل ذلك نقول: إن أهل فلسطين يقدّمون لدين الله دماءهم رخيصةً، مضوا في الدنيا وهم يحملون هموم أمة وأمل شعب مشرد، فأجرهم وقع عليك وحدك يا من خلقت الأرض والسماء ….  لقد وعدتهم فأسرعوا إلى عهدك ومن أوفى بالعهد منك … فلله دركم أيها الشهداء، أنتم وحدكم كتبتم تاريخنا وعزتنا بالدماء … ورسمتم لنا طريق الحرية الحمراء بالمهج والأرواح … ولكن الذي يعزينا أننا نترسم خطاكم، وننقش في أذهان الأجيال القادمة قصصكم ….. قصص البطولة والتضحية والفداء.